Reserch Lab

ABOUT Dr. HUSSEIN SHARARA
PhD in Sciences of Art, Interior Architecture, Researcher and Lecturer in the Lebanese University, Faculy of Fine Arts And Architecture.


All Publicaitons

Share Article

المشاركة التفاعلية وتوسيع الفرص: كيف تصنع فرقًا في مجتمعك؟

Submission Date :2023-07-29 | First Published : 2023-07-31 | Written In : Arabic


د. حسين شرارة

   أنشر هذا المقال كجزء أول من سلسلة التنمية البشرية التي قدمت بعضها ضمن تدريب ومحاضرات أكاديمية، وبعضها جاء خلاصة تجربة شخصية طيلة ثلاث وعشرون عامًا، والبعض الآخر نتيجة تغذية راجعة Feedback ممن عملوا معي في مجالات متنوعة أو ممن قدمت لهم استشارات وتوصيات في تطوير الذات وبناء الشخصية وتحسين شروط العمل والتعاقد وكيفية إيجاد الفرص والاستفادة منها. وهو عبارة عن خطوات منظمة لكيفية مواجهة الشباب لتحديات المستقبل واستثمار تطوراته السريعة وتحولاته المستجدة.

   وفي هذا الجزء أناقش أهمية العلاقات العامة وأثرها الإيجابي على جيل الشباب. فكثيرًا ما يسألني الخريجون الجدد عن أسباب عدم تمكنهم من إيجاد فرص عمل مناسبة لهم وضيق الخيارات أمامهم. وكنت أجد بعد مناقشتهم أن السبب الرئيس لاحتجابهم عن سوق العمل هو تركيزهم على العمل المستقل أو النشاط الفردي أو العمل عن بعد من البيت أو محاولة تسويق أعمالهم عبر مواقع التواصل فقط. فكلها أسباب تدفع للعزلة عن الخارج. وعلى أهمية العمل عن بعد، أو الاستقلالية التي أشجع عليها، لكن دونها شروط وخطوات لتفعيلها.

   راهنًا، يخطو العالم خطوات متسارعة باتجاه الانعزال والفردانية، سواء بسبب الأعمال التي بات باستطاعة الناس إنجازها عن بُعد Remote Workأو بسبب تحول مواقع التواصل إلى بديل عن الحياة الاجتماعية المباشرة. مما سيزيد من تحديات الشباب لا سيما الخريجين الجدد في إيجاد الفرص من حولهم بسبب افتقارهم لشبكة علاقات عامة واسعة. وتاليًا سهولة استبدالهم بتقنيات الذكاء الاصطناعي الآخذة بالتنامي.

   ولكن يبقى عند الإنسان سمات يتفرد بها عن أي تقنية رقمية أو آلية ولا يمكن استبدالها مثل: التعاطف والتعاضد وقوة العمل المشترك. هذه السمات من شأنها تحويل التحديات إلى فرص يمكن الاستفادة منها في توسيع خيارات الشباب وفرصهم في المجتمع، وعنوانها (المشاركة التفاعلية)، فكيف بإمكان هذه السمة توسيع الخيارات والفرص؟

   المشاركة التفاعلية هي نشاط قائم على الاندماج وتبادل الأفكار والخبرات بين مجموعة من الأفراد ذوو اهتمامات مشتركة، ويكون فيه الأطراف المشاركون نشطون ولهم تأثير إيجابي على بعضهم البعض. وهي عبارة عن تدفق حيوي للاتصالات والمعرفة بين الأطراف يؤدي إلى بناء روابط اجتماعية - مهنية وتعاون مشترك لخلق فرص متساوية وعادلة للجميع.

هناك عشر عناصر قوة حقيقة ومضمونة النتائج تطرحها المشاركة التفاعلية وتمكن الأفراد من تعزيز قدراتهم وامكانياتهم وهي:

  1. كسر الحاجز النفسي: يشكل الحاجز النفسي مانعًا أمام الفرد في مواجهة الآخرين أو حتى في اتخاذ قرارات جديدة. مثل الشعور بالرهبة والخوف والتردد عند مقابلة أفراد جدد او المدير في العمل، الخ. ومن شأن المشاركة التفاعلية تقوية شخصية الفرد وتعزيز ثقته بنفسه ورفع مستوى قابليته للمواجهة واتخاذ القرارات.
  2. مهارات التشبيك: إن انخراط الفرد في العمل ضمن مجموعات صغيرة أو كبيرة يضمن استدامة تواصله مع الآخرين واكتساب مهارات التشبيك مع من يشاركونه الاهتمامات والاحتياجات ذاتها. مما سيؤدي الى تحسين علاقاته العامة والمهنية وتنميتها وتطور مهارات التواصل لديه.
  3. تنوع الأنشطة: كل نشاط جماعي سيشكل منصة مختلفة لفتح آفاق جديدة، من خلال التعرف على أفراد ومجموعات جدد، وتاليًا توسيع الفرد لدائرة علاقاته الشخصية. وهذا يتحقق من خلال المشاركة في حلقات التدريب وورش العمل، الأعمال التطوعية والخيرية، الأنشطة الثقافية والاجتماعية والرياضية والترفيهية والسياحية والكشفية وغيرها. فمعظم الذين شاركوا في هكذا أنشطة برهنوا عن اندفاع كبير وحافزية وقدرة على بناء شبكة علاقات مفيدة وناجحة وتاليًا على أيجاد فرص عمل جديدة.
  4. العمل التطوعي: قد لا يرجع العمل التطوعي بعائد مادي على الفرد، لكن آثاره الإيجابية تكون أعظم من خلال الإحساس القوي بالانتماء والاندماج، تعزيز حس المبادرة، امتلاك الحافزية، تقدير الذات، الثقة، التعاطف وتقدير المجتمع للمتطوع. وبحسب الذين شاركوا في هكذا أعمال، باتوا أكثر دينامية وانفتاحًا على المجتمع وتمكنوا من الانطلاق بقوة أكبر اجتماعيًا ومهنيًا.
  5. تنويع دوائر العلاقات: يشكل التنويع في دوائر العلاقات ذات التخصصات المختلفة فرصة أكيدة للأفراد للتعرف على أشخاص جدد، ولتحسين خياراتهم وشروطهم العملية والمهنية، ورفع كفاءاتهم المهنية والمعرفية. فكثر ممن توسعوا بدوائر علاقاتهم حصلوا على فرص متنوعة وباتت خياراتهم مفتوحة، عكس الذين ضيقوا دوائر علاقاتهم فباتت خياراتهم مغلقة ومحدودة. وقد قيل "قل لي من تصاحب أقل لك من أنت".
  6. التعاون والتكامل: تعزز المشاركة التفاعلية مبدأ التعاون والتكامل بين الشباب على قاعدة العمل التشاركي من خلال فريق العمل Teamwork. فنجاح كل عمل مرتبط بالقدرة على التنسيق والتعاون بين أعضاء الفريق وقدرتهم على تحقيق أهداف مشتركة. قال لاعب كرة السلة مايكل جوردن "الموهبة تجعلك تفوز بالألعاب، ولكن العمل الجماعي يجعلنا نحصد البطولات".
  7. حل المشكلات: من إيجابيات المشاركة التفاعلية في العمل الجماعي تعزيز القدرة على حل المشكلات والمعضلات، فقد قيل "من شاور الناس شاركهم عقولهم". فالمشاركة في مناقشة الإشكاليات وطرح المقاربات الجديدة وتقديم المقترحات والحلول والعصف الذهني يساعد الشباب على حل المشكلات بطرق إبداعية وبنتائج أكبر وأسرع مما يمكن للفرد الواحد تحقيقه.
  8. اكتساب المعرفة والخبرات: تتيح المشاركة التفاعلية تبادل المعرفة وتلاقح الأفكار واكتساب المزيد من الخبرات والمهارات الشخصية واللغوية والاحترافية بالاستفادة من عمليات التعلم المنهجية والمنظمة. وهو ما يساعد على رفع مستوى الجهوزية وتحسين جودة الأداء إزاء المهام المتوقعة.
  9. تعزيز تماسك المجتمع: تشكل المشاركة التفاعلية حجر الأساس في سبيل تعزيز تماسك المجتمع، وهذا من شأنه أن يشكل شبكة أمان، وتقوية أواصر التعاون والثقة بين الأفراد والحث على العمل الجماعي لا الفردي.
  10. القيمة المنشودة: لكل عمل قيمة تحدد أهميته في المنظومة المجتمعية. والقيمة المنشودة للمشاركة التفاعلية هي التنمية المستدامة للمجتمع ورفاه أفراده. فتعاضد المجتمع وتعاونه سينعكس إيجابا على رفاه الأفراد والجماعات. وتفكك المجتمع سينعكس سلبًا على حياة الأفراد انعزلًا وانهيارًا في منظومة القيم والأخلاق والعدالة الاجتماعية.

   من هنا، فإن الهدف الأسمى للمشاركة التفاعلية هو حث الشباب على التخلي عن الفردانية والخروج من قوقعة العمل الأحادي ودفعهم للاندماج في المجتمع وتكوين دائرة علاقات عامة تشكل لهم شبكة أمان وحصانة إزاء التحديات المستقبلية وتوسِّع من فرصهم وخياراتهم، للحيلولة دون وقوعهم فريسة الاغتراب عن المجتمع. فشعور الشاب بأنه محتضن من قبل محيطه وبأنه محل تقدير من قبل مجتمعه سيرفع من شعوره بقيمته الانسانية وبثقته بنفسه وبتقدير الذات وبأنه قادر على أن يصنع فرقًا كبيرًا في المجتمع.

All rights reserved for Research Labs © 2021