Reserch Lab

ABOUT Dr. HUSSEIN SHARARA
PhD in Sciences of Art, Interior Architecture, Researcher and Lecturer in the Lebanese University, Faculy of Fine Arts And Architecture.


All Publicaitons

Share Article

الخصائص التركيبية لعلوم المنظور بين العلم والفن كحافز للمعرفة

Submission Date :2021-05-05 | First Published : 2021-05-05 | Written In : Arabic
Photo Credit: Detail from Niẓāmī’s Laylā Majnūn (Or.12208, f. 150v), British Library.com


د. حسين شرارة

يعتبر علم الابعاد علمٌ قائمٌ بحد ذاته، متأصلٌ في تركيبة الكون، وهو جزءٌ لا يتجزأ من منظومة رياضيات متكاملة تعطي الأشياء مفهومها العلميّ والجماليّ، يساهم في تجسيده عدة عناصر كالضوء والظل وآلية بصرية ملائمة لنِسب هذا العلم. لقد أعطى الفنانون والمعماريون والنحاتون إهتماما كبيرًا لتناغم وتوافق ورشاقة وجمال أشكال الحياة المحسوسة، وبحثوا عن أكثر الوسائل والأساليب تأثيرًا من أجل إعادة تجسيد غنى وثراء أشكال العالم الواقعي؛ وهم توجهوا الى علم البصريات والرياضيات ليصبح علم المنظور مجالًا للنشاط المعرفي. وقد أصبح المنظور الأفقي والفراغي والضوء والظل والنور والنسب والقطاع الذهبي وتصميم اللوحة الفنية وتأليفها موضع مناقشات وأبحاث هؤلاء الفنانين منذ عصر النهضة وإلى الآن. لكن الفرق بين الرسم والعلم، أن الرسم يعكس العالم المرئي ألوانًا وأشكالًا في حين أن العلم ينفذ الى جوهر الجسم معبرًا عن صفات الشكل ومركزًا اهتمامه على الطبيعة الكمية للاشياء كما تفعل الهندسة. فالطبيعة مصدر الشكل واللون والإلهام في الفن، والشكل هيئة تظهر ملامح العمل الفني.

تعتبر القدرة على التعبير من أهم صفات الانسان، ونظرًا لكون طبيعية هذا الميل فطرية متجذرة في أعماق التكوين الانساني ويشترك فيها جميع الناس، فإن كل فرد لديه الاستعداد لنقل تعبيرات الآخرين. هذا الاستعداد يعتبر من العوامل التي ساهمت في تشكيل المجتمعات الانسانية، الى أن أصبح النشاط الفني ظاهرةً عامةً شخصيةً واجتماعيةً وروحية؛ فكان هذا الخط الجمالي الموحد في الابداع الفني الذي مثّل ثنائية الوجود (النور والظل). وهو المركز الأساس في استقراء التذوق الجمالي، والذي غالبًا ما يشحن المتأمل بمتعة التعرف واكتشاف رمزية كنه المنظور من خلال جدلية النور والظل، الأبيض والأسود، الكتلة والفراغ. لإلزامية ذلك في خلق التوازن الجمالي داخل الوحدة الصغيرة (القطعة الفنية) لتكون امتدادًا للوحدة الكلية (الكون).

من هنا، لم ينشأ فن الرسم والتصوير من خيال الانسان بمعزل عن واقع الحياة والتركيبة العلمية للكون، بل كان نتاجًا طبيعيًا لتطور البشرية وارتقاء الثقافة والإبداع. تفاعلًا علميًا رياضيًا قادا الى اندماج الفن مع العلم في بوتقةٍ واحدة، ما أثرى كلا القطبين. لقد قامت كل الحضارات البشرية بلا استثناء على اختلافها وتنوعها بإنتاج أعمالٍ تركت أثرًا خاصًا في نفوس أصحابها. والسؤال المطروح: لماذا قامت كل هذه الحضارات على مدى تعاقبها بإنتاج ما يعتبر اليوم أعمالًا خالدةً وذات أثرٍ مهمٍ في الحياة الانسانية؟. هل قامت بها لاغراض نفعيّة وما تتضمنها من محاولات لاستعراض القوة وتحدي الموت بالخلود؟ أم أنّ طبيعة الانسان قادته الى اكتشاف التوازن الدقيق بين الحاجات والانجازات؟، بما يرقى الى إنتاج أعمالٍ قامت على العلم والمعرفة والفن والابداع، وهذا ما نجده ماثلًا في أبعاد التصوير وعلم المنظور الذي انتقل من أبسط عملية ابداعية وهي اللون المُجرّد، وصولًا إلى الدقة في تصوير الابعاد المجسمة، أو النفوذ الى روح الاشياء واستنطاق مكنوناتها وجوهرها الفني الراقي كما في التصوير الاسلامي (المنمنمات، الرقش، الزخرفة وغيرها). كل ذلك لم يأتِ بمحض الصدفة بل عن دراية كاملة بعلوم  العمل الفني وأبعاده والقدرة على التعبير. هكذا امتص الفن التطبيقي جزءًا كبيرًا من طاقة الفنان الابتكارية وقدم للمجتمع أعمالًا حققت وظيفتها على أكمل وجه.

إنّ الفنان رغم أنه يستفيد من عصره إذ يعتبر في كثير من الاحيان لسان حاله، إلا أننا نجده في كثير من الحالات سابقًا عليه؛ فهو دائما يصنع الجديد والمختلف. وكثير من الأعمال العظيمة كانت مستهجنة من المتلقي ولم تلقَ استحسانًا إلّا في مراحل متقدمة. هكذا، فإن الفن بؤرة للبحث عن الذات وللتعبير عنها وطريقًا للمعرفة. وهنا، يتضح أننا لا نبدأ في تقدير أهمية الفن في تاريخ البشرية إلّا عندما نقاربه بصفته طريقًا للمعرفة مساويًا للطرق الأخرى التي يتوصل بها الانسان لفهم الظواهر وتفسيرها. قال نيتشه "حبنا للجمال هو الارادة المصورة، وقيمة الفن أنه الدافع الاكبر للحياة"، وهذا المبدأ الذي سلكه الفنان المسلم في رسوم المنمنمات من خلال تجسيد للبعد الثالث من ضمن منظور ثنائي البعد في الحركة اللولبية التي تبدأ من الاسفل وتخترق الشخوص باتجاه الأعلى. وأيضًا ما جسده الفنان الانطباعي من التركيز على الجوهر عوضًا عن الأبعاد الشكلانية. في عملية قصدية لتفعيل دائرة الاحاسيس في العمل الفني لابراز قيمة الحياة بمعناها العميق وليس السطحي.

All rights reserved for Research Labs © 2021